WhatsApp%2BImage%2B2020-04-30%2Bat%2B7.49.52%2BAM

بقلم : ا.د.رحيم حلو محمد البهادلي
لقد اختلف المسلمون على اختلاف توجهاتهم المذهبية في مسألة الإمامة ، إذ لم تتفق كلمتهم على صيغة معينة فالشيعة لهم رأيا فيها وأبناء العامة لهم رأيا مغايرا ، والجميع يعتمدون في إثباتها وتعريفها  وفقا لما جاء في القرآن الكريم والحديث والسنة النبوية الشريفة كلا حسب تفسيره واعتقاده ، أما الماوردي هنا فله رأيا بالإمامة يميل في جانب إلى فريق وفي جانب أخر يميل إلى فريق أخر ، وقبل التطرق إلى رأيه في الإمامة في كتابه (( الإحكام السلطانية والولايات الدينية )) لا بد من التنويه عن هويته ففي ذلك علاقة كبيرة فيما ذهب إليه في تلك المسألة ، فالماوردي هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب المعروف بالماوردي في الأوساط العلمية ، ولد الرجل في مدينة البصرة عام 364 هـ ، ونشأ في ربوع تلك المدينة العريقة في العلم والفكر والمعرفة ، وفي ظل جو سادت فيه كل أجواء العلم والمعرفة على اختلاف المذاهب الإسلامية في ظل الحكم البويهي للدولة الإسلامية ، وينتمي الماوردي إلى أبناء العامة إذ كان شافعي المذهب ، وكان الرجل قاضيا ، فقيها وحافظا للمذهب الشافعي ، أديبا ، مفسرا ، محدثا ، ثم سياسيا في ظل الحكومة البويهية على حد الإشارة ، بيد أننا لم نشهد له نشاطا سياسيا بارزا وربما أطلقت عليه تلك الصفة لتوليه القضاء في البصرة وبلدان أخرى كثيرة ثم انتهى فيه المطاف بان كان أقضى القضاة في بغداد ، وبالتالي فان من يتولى القضاء لا بد أن يرتبط إداريا ويحمل صفة السياسة للدولة آنذاك ، إذ كان الماوردي يتمتع بالمكانة المتميزة لدى الملوك البويهين وكان جليل القدر عند الدولة يومذاك . وتتلمذ الرجل على مجموعة من علماء عصره في البصرة وبغداد ومنهم الحسن بن علي الجبلي ، ومحمد بن عدي المنقري ، وجعفر بن محمد بن فضل وغيرهم ، وتفقه على يد الفقيه أبو القاسم الصميري في البصرة ودرس فيها سنينا كثيرة ، ثم انتقل إلى بغداد في عام 430 هـ فسكنها واستقر فيها ودرس فيها أيضا ، واخذ عنه الخطيب البغدادي وعده من الثقاة ، وقد ترك لنا الماوردي مجموعة من المؤلفات المتنوعة ولعل أبرزها كتاب الحاوي الكبير والذي كان يعنى بالتبحر ومعرفة المذهب الشافعي ، وكتاب النكت والعيون وهو مخطوط ، وكتاب أدب الدنيا والدين والكتاب مطبوع ومتداول حاليا ، وكتاب الأحكام السلطانية والتي تعني بالأمور الدينية والتشريعة وغيرها من المؤلفات الأخرى في الفقه والأصول والتفسير ، وتوفي الماوردي في بغداد عام 450 يوم الثلاثاء من شهر ربيع الأول عن عمر ناهز الستة وثمانون عاما .لقد طرح الماوردي أمورا كثيرة في كتابه الأحكام السلطانية بعضها يتعلق بالدين والأخر يتعلق بالاقتصاد الإسلامي وأخرى تتعلق بالدين والسياسة معا ، ونحن هنا بصدد الحديث عن مسألة الإمامة ، فقد طرح الماوردي الإمامة بمفهومين وهو يعتقد انه طرحها بمفهوم واحد ، فقد قال عن الإمامة ما نصه : ” الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وان شذ عنهم الأصم  ” ، ثم استشهد بالآية الكريمة التي تقول : ” يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منك ” ، ثم قال : ” ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المأتمرون علينا ” ، دون أن يبين من هم الأئمة المعنيين ، ومستشهدا أيضا بقول الرسول الكريم ( ص) بحديث نبوي مسند عن أبو هريرة : ” سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره ، ويليكم الفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، فان أحسنوا فلكم ولهم وان أساءوا فلكم وعليهم ” .

ونجد الماوردي هنا يكيل بمكيالين فمن جهة يعترف بان الإمامة هي خلافة النبوة ومن جهة أخرى يجوز للفاجر ولاية الإمامة ، وفق نوه إليه في الآية الكريمة وما استشهد به من حديث للرسول الكريم ( ص) ، والأكثر من ذلك نجد الماوردي يورد شروطا عدة في من تقع فيه الإمامة ، منها العدالة والعلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام ، وسلامة الحواس من السمع والبصر وفصاحة اللسان وسلامة الأعضاء ، والذكاء المفرط والشجاعة والنجدة ، والنسب إذ لا بد أن يكون الإمام حصرا من قريش وغيرها الكثير . وعند العودة إلى مفهوم الإمامة عند الماوردي نجد أن المسألة كبيرة جدا ، فلا تقتصر الإمامة على الدين وإنما هي أمرا يجمع الدين والسياسة ، بمعنى أن الإمام يقضي بشؤون الدين وأمور السياسة العليا أي مسألة الخلافة ، لان الإمامة كما قلنا هي خلافة الرسول الكريم (ص) في كل صغيرة وكبيرة ، فمثلما كان النبي محمد (ص) خليفة الله في الأرض وهو المسئول عن إدارة شؤون الرعية من المسلمين باعتباره خاتم الأنبياء وهو مختارا من الله عز وجل ، فلا بد أيضا أن يكون الإمام هو خليفة الرسول (ص) في الأرض ويقوم بجميع المهام التي انيطت بالرسول (ص) ومختارا من قبل الرسول الكريم ( ص ) .

وحين العودة إلى ما طرحه الماوردي عن مسألة الإمامة نجده بعيدا جدا عنها ، وليس له كل علاقة لا من قريب أو بعيد في مسألة الإمامة اللهم إلا من حيث التعريف والشروط ، فأما استشهاده بالآية في قوله تعالى : ” يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” ، فالمقصود هنا وفق ما ذهب إليه غالبية المفسرون أن الطاعة أولا للرسول الكريم (ص) أولا ، وثانيا للأوصياء وهم الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، فقد أورد العياشي أنها نزلت في الإمامين الحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، وقيل أنها نزلت في الإمام علي ( عليه السلام ) ، أو أنها نزلت في الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) بشكلٍ عام ، وذلك استنادا إلى قول الرسول الكريم (ص) : ” أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي إني سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما على الحوض فأعطاني ذلك ” ، ولو سكت النبي (ص) عن ذلك لادعى بها بقية بطون بني هاشم . أما حديث الرسول الكريم (ص) المنقول عن أبي هريرة : ” ” سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره ، ويليكم الفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، فان أحسنوا فلكم ولهم وان أساءوا فلكم وعليهم ” . فالحديث هنا مطعون فيه من جهتين السند والمتن فكلاهما لا يصحان عن النبي (ص) ، فمن ناحية السند مطعون فيه بابي هريرة فالرجل مطعون فيه وقد جرحته كتب الجرح والتعديل ، ثم انه اتهم بأموال البحرين في ولايته عليها في عهد عمر بن الخطاب وعاقبه عمر على ذلك وعزله ، أما متن الحديث فذلك لا يتفق إطلاقا مع مفهوم الرسالة المحمدية الطاهرة التي جاء بها ، إذ كيف يأمر الرسول الكريم (ص) المسلمين بإتباع الأئمة الفاجرين حتى لو قالوا حقا أن كان لديهم جزءا من الحق ، فهل أن الإسلام جاء ليتأمر به الفسقة والفاجرين ، وهل أن الإسلام جاء ليتأمر فيه من اعتدى على حرمة رسول الله (ص) ، وهل أن الإسلام جاء ليتأمر عليه من صادر الحقوق الشرعية الاقتصادية والسياسية لآل بيت رسول الله (ص) ، فذلك الحديث هو في عداد الموضوعات حتى يبرر حكم العامة وتسلطهم على رقاب المسلمين وجعل قضية الإمامة لا تقتصر على آل البيت ( عليهم السلام ) .

وأما الشروط التي أوردها الماوردي والتي عدها من ضمن الواجبات التي يجب أن تتوفر في الإمام فقد ناقض الماوردي نفسه بنفسه ، لان جميع تلك الشروط كانت إطلاقا لا تتوفر في جميع الخلفاء اللهم باستثناء الإمامين علي والحسن ( عليهما السلام ) ، فقد شهدنا في من تولى الخلافة من كان فيه عاهة معينة كفقدان السمع والبصر والنطق ، ومن كان غبيا وجبانا ومن كان فاقدا للمروءة ، ومن كان عاجزا عن إدارة شؤون الرعية ولا يفقه شيئا ونحو ذلك على مر العصور الإسلامية ، فتالله أي إمامة يتحدث عنها الماوردي .