دلالات نبذ الصراع في فكر الامام علي (عليه السلام) وانعكاسه على الواقع العراقي الحالي

م.م. عباس قاسم عطية المرياني

جامعة البصرة – كلية التربية للبنات/قسم التاريخ

 

في ظل التحول الذي شهده المجتمع العراقي بعد عام 2003 من تغير النظام السياسي الدكتاتوري القائم الذي كان يمنع أي تجمع او تكتل سياسي او ديني، والإبقاء على الحزب العفلقي هو الوحيد والمسيطر في الساحة العراقية آنذاك.

لكن بعد سقوط هذا النظام عام 2003 والاتيان بالنظريات والأفكار الديمقراطية التي لم يكن العراق وشعبه مهيأ لها بشكل كبير بسبب قبوعه تحت حكم دكتاتوري ظالم لم يسمح لشعبه بمعرفته او الاطلاع على هذه المفاهيم، ولما أتوا بهذه الديمقراطية التي تسمح بتعدد الأحزاب والتكتلات السياسية بعد ان كان نظام وحزب واحد هو المتحكم، وتسمح للفرد بممارسة اراءه وافكاره بحرية فضلاً عن حرية انتماءه السياسي.

هذا التحول لم تستوعبه كل طبقات المجتمع العراقي، فنشأت على اثر ذلك الصراعات بين هذه الأحزاب او التكتلات الجديدة مما انعكست هذه الصراعات بشكل كبير على الواقع العراقي ونقصد بالواقع هنا السياسي والاقتصادي والفكري وحتى الاجتماعي هذا من جانب.

من جانب اخر انعكس هذا الصراع على الفرد العراقي ذاته من خلال انضمام الافراد الى هذا الحزب او التكتل مما ولد صراع مع الأحزاب والتكتلات الأخرى، وبذلك وقع المجتمع بين تجاذبات وتصارع هؤلاء، واغلب هذا التصارع والتجاذب ادى الى عمليات الاقتتال والتصفية فيما بعد، فكل واحد يرى ان منهجه وطريقه هو الصحيح، وعلى اثر ذلك استبيحت حتى القيم الأخلاقية والاجتماعية فيه الا ما ندر.

لذلك كان تناولنا لهذا الموضوع – موضوع دلالات نبذ الصراع في فكر الامام علي u وانعكاسه على الواقع العراقي الحالي – لنبين موقف الامام من هذا الصراع والتجاذب في عصره مما نُقل لنا سواء من خطبه في كتاب نهج البلاغة الذي يُعد اهم كتب الإسلام بعد القرآن الكريم والاحاديث النبوية الصحيحة، او في تعاملاته اليومية ورسائله الى ولاته، عسى ان يتعظ منها كل من يؤجج ويدفع الى هذه الصراعات في مجتمعنا، ونحفظ الشيء القليل من حكمه ومواعظه عسى ان تنفعنا او تنجينا من المهلكات.

ان دراسة فكر الإمام علي u ونبذه للصراعات ها هنا ليس سردا لأحداث تاريخية، أو عرضاً لآرائه فحسب، بل من اجل تبني هذه الأفكار والاستفادة منها في معالجة الواقع الحالي، فهذه الأفكار منبعها القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة تصلح لبناء انسان متكامل ومجتمع متماسك.

فالأمام u حكيم الانسانية جمعاء وفيلسوفها لذلك يقول عنه الكاتب المسيحي جورج جرداق: “إنه ليستحيل على أي مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقرية أن يأتيك حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام، كالحقبة التي عاشها. فالذي فكَّرهُ وتأملهُ، وقالهُ، وعملهُ ذلك العملاق العربي بينه وبين نفسه وربه، لمماً لم تسمعه أذن، ولم تبصره عين، وهو أكثر بكثير مما عمله بيده، أو أذاعه بلسانه وقلمه، وإذ ذاك فكل صورة نرسمها له هي صورة ناقصة لا محالة، وقصارى ما نرجوه منها أن تنبض بالحياة”.

ثم يقول: “ويقيني أن مؤلف هذا السّفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب، لا تستطيع أمامها إلا أن تشهد بأنها الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي”.

كما كان u محط اعجاب العديد من المستشرقين الذي قالوا فيه منهم:

ادوارد جيبون يقول في علي u : شخصية فريدة متألقة شاعر ومؤمن ونبيل وقديس, حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل انسان، فهي اخلاقية وانسانية، منذ تولده والى وفاته، كان حكيما جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي واحبائي، حقا كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد (ص)”.

ويقول فيه المستشرق السير ويليام موير: بذكائه المتألق، وعطفه وتأثيره الساحر في حياة من خالطه وجالسه، وكونه موضع ثقة صحابه ومجتمعه، منذ كان فتى صغير السن وهو يبذل ويجود بروحه وحبه للدفاع عن النبي محمد ورسالته السمحاء، متواضع وبسيط، حكم نصف العالم الاسلامي بالخير لا بالسوط.

ويعبر المستشرق هنري ستووب عن اعجابه بالأمام بالقول: ازدرى العالم المادي ومجده الخادع، خشى الله وكان محسنا جواد الى الخير، الاول والسابق الى كل فعل الهي، وحكمه كان اجتماعيا، ويملك ابداعا وذكاء حادا؛ ولذا بدا غريبا على مجتمعه، لان الابداع لم يكن شائعا، لم يمتلك تلك العلوم التي تنتهي على اللسان، ولكن تلك العلوم والحكمة الخفية التي تمتد ولا تنتهي او تموت.

 

ان الإمام علي u تناول موضوع الصراع كثيرًا في طروحاته وخطبه لمعالجة هذه المشكلة التي كانت مستشريه في عصره، وارتئينا ان نقسم وصاياه في مجال نبذ الصراع الى اربعة اقسام وهي:

  1. وصاياه في درء الفتن والتحلي بالحلم

فمن وصية له يوصي على التوحّد والحذر من الفتنة قائلاً u: “فلا تكونوا أنصاب الفتن (أي مقصداً للفتنة) وأعلام البدع، والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة وبنيت عليه أركان الطاعة، وأقدَموا على الله مظلومين ولا تقدَموا عليه ظالمين، واتقوا مدارج الشيطان ومهابط العدوان”.

ويوصي ايضا في النهي عن الفتنة،: “أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة “.

ومن وصاياه u للمسلمين في أول توليه الخلافة يقول: “الفرائضَ الفرائض أدّوها إلى الله تؤدَّكم إلى الجنّة، إنّ الله حرم حراماً غير مجهول وأحلّ حلالاً غير مدخول لا نقض فيه وفضلّ حرمة المسلم على الحُرمِ كلّها وشدّ بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين في معاقدها، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلّا بالحقّ ولا يحلّ أذى المسلم إلّا بما يجب”.

وفي نفس السياق يوصي u المسلمين قائلاً: “ولا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة واميطوا عن سنتها (أي تنحّوا عن طريقها – ولا ترموا انفسكم فيها). وخلّوا قصد السبيل لها فقد لعمري يهلِكُ في لهبها المؤمن ويسلم فيها غير المسلم”.

وفي وصية اخرى يقول فيها: “وخذوا مهل الأيام، وحوّطوا قواصي الإسلام ألا ترون إلى بلادكم تعزى وإلى صفاتكم ترمى”.

كما أكد  uعلى صفة الحِلم فيما يتعرّض له الإنسان من ظروف قاهرة التي قد تدفعه الى الخروج عن العقل الذي كرمه الله به ليميز مدارك الاشياء فيقول: “اكْظِمِ الْغَيْظَ، وتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ، واحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ، واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ، تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ”.

وفي موضع اخر يقول فيه :u”الْحِلْمُ فِدَامُ السَّفِيهِ” – والفدام لغة: رباط الفم وعدم التسرع في الغضب.

وله مقولته الشهيرة: «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ ولا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ». اللبون هنا ابن الناقة الذي يفطم فلا هو كبير حتى يركب او يحمل عليه، ولا فيه حليب يستفاد منه.

من ذلك يبين لنا الإمام u عدم الانجرار وراء الخلافات الحاصلة بين الأطراف المتصارعة، ويحذرنا منها لان فيها خسران لرضا الله سبحانه وتعالى ولرضا النفس.

ومن كلماته ايضاً يقول: «إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً» والقحم هنا يعني: المهالك، ففي هذه العبارة يوجز u مهالك الخصومة بثلاث كلمات، فالخصومة البسيطة قد تؤدي الى توسعها والوقوع في الصراعات والاقتتال الذي يودي الى المهالك والخسران لكلا الطرفين.

وفي مسألة ما تعرض u  من اغتصاب لحقه وما ناله من ظلم الذي كاد ان يودي الى صراع كبير قد ينهي الإسلام والأمة بأكملها، لكنه u أثر على نفسه وترك حقه لأجل مصلحة كبرى وهي الإسلام، فيقول: “أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ ومُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فَلَمَّا مَضَى تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَ اللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ولا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ولا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ، فَمَا رَاعَنِي إِلا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإسْلامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسْلامَ وأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الأحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وزَهَقَ، واطْمَأَنَّ الدِّينُ وتَنَهْنَهَ”.

وهنا على الانسان المدرك ان يتمعن بدقة هذا النص من كلام الامام u سيجد أنه ادرك بالصراع سيهلك كل امر حتى وان كان هو صاحب الحق بذلك، لذلك وضع u المصلحة العامّة – أي مصلحة الإسلام- نصب عينه، لذلك لا يجب أن يكون الخلاف الذي يشتت ويذر كل شيء هو النهج الصحيح.

 

  1. النهي عن السب والشتم

وفي كلامه u بالنهي عن السب والشتم.. وما اكثرها في مجتمعاتنا الان حتى اصبحت – مع شديد الأسف – ثقافة متداولة على السن الكبار والصغار وعلى كل المستويات والاصعدة، وأمست وسيلة للتسقيط بين الافراد والجماعات واداة للمحاربة فيما بينهم حتى تفشت بشكل كبير.

عن ذلك يقول u لإصحابه: “إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ واهْدِهِمْ مِنْ ضَلالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، ويَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِه”.

ويروى عنه u ان في يوماً من الأيام سمع رجلا يشتم خادمه قنبر، وأراد قنبر ان يرد عليه فناداه الامام (ع) قائلاً: “مهلا يا قنبر دع شاتمك مهاناً تُرضي الرحمن وتُسخط الشيطان، وتًعاقب عدوك فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما ارضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا اسخط الشيطان بمثل الصم، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه”.

من هذا يجب علينا ان يكون تعاملنا مع الاخرين منطلقاً من تعامل الامام u ومنسجماً معه لكي لا نكون أداة بيد الشيطان نقاد كيفما يشاء وبذلك ننال غضب الله سبحانه وتعالى وسخطه.

 

  1. أصناف الناس

وفي كلام له u يصنف فيه الناس الى أربعة أصناف التي ربما هي اقرب الى واقعنا الحالي الذي اصبح يتشكل من عدة طبقات مختلفة سواء طبقات اجتماعية او سياسية او عقائدية فيقول u: “أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهرٍ عنودٍ، وزمن كنودٍ، يُعد فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتواً، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعةً حتى تحلّ بنا، فالناس أربعة أصنافٍ” فيقسمهم u الى:

الصنف الأول: من لا يمنعه الفساد إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره….

(وما اكثر الفساد والفاسدين والمفسدين الان).

الصنف الثاني: ومنهم المصلت لسيفه، والمعلن بشره، والجالب بخيله ورجله، قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنبٍ يقوده أو منبرٍ يفرعه، ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً وما لك عند الله عوضاً…..

(وهؤلاء كُثر حالياً، الذين يعادون الناس ويهددون ويقتلون دون خوف او رادع)

الصنف الثالث: ومنهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح ولا مغدي….

(وهنا يشير الامام الى الذين يدعون الدين والزهد وهم في الاغلب بعيدين عن ذلك وبعيدين عن أمور الناس).

الصنف الرابع: ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الاخرة بعمل الدنيا قد طامن من شخصه، وقارب من خطوته، وشمّر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة….

(وهؤلاء الذين باعوا دينهم بدنياهم وساءت أعمالهم حتى شملت غيرهم ممن هم على شاكلتهم).

ويكمل u انهم قوله: “اتّخذوا الشيطان لأمرهم مِلاكاً، واتّخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم، فركب بِهم الزَّلل وزيّن لهم الخَطَل فِعْلَ من قد شَرِكَهُ الشيطان في سلطانه ونطق بالباطل على لسانه”.

بذلك حدد الامام u أصناف الناس وتأثيرهم على المجتمع، وهو هنا يُشخص الداء الذي يتحتم معالجته، كما واعطى العلاج لهذا الداء في خطبه وكلماته السابقة التي تناولناها او لم نتناولها.

 

  1. التعامل مع الاخر وحرية التعبير

يقول u في وصيته لولده الإمام الحسن في التأكيد على حرية الفرد وسبل التعامل مع الاخر: “يا بني اجعل نفسك ميزانا في ما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، واحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك”.

 

وقول  u”عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه”.

وذكر عنه u انه ذات يوم كان على المنبر يخطب بالناس في المسجد، وكان ضمن الجالسين شخص يكره الامام u ويبغضه بغضاً شديدا، فلما سمع هذا الشخص خطبته وما فيها من فقه وبلاغة، قال عن الامام: كافرٌ ما افقهه وابلغه!! فلما سمع الجالسون ذلك ارادوا ضربه، فقال لهم الامام اتركوه! باستطاعتي ان اسبه مثل ما سبني، او اعفو عنه…

وها انا قد عفوت عنك.

في هذه الحادثة نلاحظ ان الامام u يؤكد على حرية الرأي ويعطي درساً في الاخلاق والايثار، فلم ينتصر منه لنفسه وانما منحه درساً في التسامح ومنح الجالسين ايضاً، ومنحنا ايضاً هذا الدرس الذي نتناوله اليوم.  ونجد ايضاً ان هذا الشخص كان مغرر به فلم يعرف الامام حق معرفة بسبب ما مارسه معاوية من جانب، والخوارج من جانب اخر من اعلام مضاد تجاه الامام u، وفي واقعنا نرى ونسمع الكثير مثل هذا الشخص الذي يُلقي التهم جزاف دون معرفة الحقائق والتأكد مما يتناوله والامثلة على ذلك كثيرة.

وعند الاطلاع على لوائح حقوق الإنسان التي تنادي بها الأمم والمنظمات الدولية الخاصة بذلك نلتمس الكثير من حكم الامام وسلوكياته قد دونت او اقتبست في هذه اللوائح.

 

 

فعلى الرغم من ان الامام  uقد استشهد نتيجة هذه الصراعات التي ابتلي بها، وحاول بكل قوة ان يجنب الامة الإسلامية والمسلمين الخوض بها؛ لكن رغبات الاخر الشيطانية –سواء متمثلة بمعاوية وحزبه، او الخوارج، وحتى الذين نالوا السلطة بعد ذلك – كانت اقوى وادهى دفعت بهم ومن جاء بعدهم الى محاربة هذ النهج الحكيم الذي ابتدأه الرسول الكريم محمد (ص) واكمله امير المؤمنين وال بيته u من بعده.

واني لأجد في فكر الامام علي u اشبه او اقرب ما يكون من فكر العبد الصالح الخضر u  فالنبي موسى u على الرغم من انه كان نبي مرسل وكليم الله وصاحب كتاب منزل؛ الا انه لم يستطع مع الخضر u صبرا ولم يدرك ولم يفهم مضمون هذه الشخصية لان مدخلاتها ربانية وليس دنيوية، لذلك لم يكمل مسيرته معه، كذلك الامام علي u لم يستطع ممن كانوا في زمنه وكذا نحنُ معه صبرا، لأننا لم ندرك ولم نفهم مداركهُ وما يريده u .

 

مما سبق ان الصراع في فكر الامام u موضوع لا يمكن احتوائه بهذه المحاضرات او الندوات، لذلك حريٌ بنا وبكل انسان واعً ومدرك لحقائق الأمور ان يطلع على هذا النهج النير الذي رسمه الامام u، وهذا الاطلاع يجب ان يكون بشكل دقيق وبتمحيص ليدرك ما خُفي عنا، ففي هذا النهج هديٌ للروح البشرية وتهذيب لها من اجل الابتعاد عن كل ما هو سيء سواء الصراعات التي تناولناها وكيفية تجنبها والتي لا يكسب منها المرء الا الخسران في الدنيا والاخرة، او المفاهيم الأخرى التي تناولها الامام u التي يقصد من وراءها بناء الانسان بشكل صحيح وتقويمه، فأذا بُني الانسان صحيحاً عرف الله وعبده من حيث يُعبد، واستقامت المجتمعات وتطورت الأمم، وهذا ما كان يصبو له الامام u.

 

وأسال الله التوفيق لي ولكم والتسديد والصواب لكل عمل ولا نرجو من ذلك الا رضاه وغفرانه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…